بقلم الأستاذ الفاضل المحامي نبيل الظواهرة الصائغ
كلمة السلام تتردّد كهيراً على ألسنة الناس في تعاملاتهم اليومية: في البيت، في الطريق، في أماكن العمل، عبر الهاتف، أو الإنترنت، في الرسائل بين الأصدقاء ... و هذه الكلمة تكاد أن تكون قد فقدت معناها وأبعادها لشيوع استعمالها استعمالاً سطحياً بعيداً عن الإحساس الصادق، و عن المعنى الأصيل الذي تعنيه هذه الكلمة.
و في موعظته على الجبل، قال يسوع في التطويبات الخادة: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعون" (متى 7:5). كما جاء في إنجيل يوحنا عن لسان الرب يسوع: "قد كلّمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام" (يوحنا 33:16).
وجاء في رسالة القديس بولس إلى أهل رومة: "لنا سلامٌ مع الله بربنا يسوع المسيح" (5:1).
من خلال هذا الاستعراض السريع لبعض ما جاء في الكتاب المقدس عن السلام، نستطيع حصر هذا الموضوع بالنقاط التالية:
1 – السلام مع الله.
2 – السلام الداخلي مع الذات.
3 – السلام تين الناس.
4 – السلام بين الدول والشعوب.
5 – سلام الكنيسة.
أولاً – السلام مع الله
بعد أن غضب الله على آدم نتيجة عصيانه وصيته، عاش آدم وحواء وذريتهما في حالة خوف وتوتر وقلق وتعب وشقاء وانعدام الأمان: "وقال الله للمرأة تكهيراً أكثّر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أو لاداً وإلى رجلك يكون اشتياقك و هو يسود عليكِ... وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام جياتك ... بعرق جبينك تأكل خبزاً" (تكوين 3: 16-19).
وبقي الإنسان في حال بؤسٍ وضياع شديد، وبعدٍ بعيد، عن الله، إلى أن جاء السيد المسيح بالجسد، افتدى البشر على خشبة الصليب، وردم جدار العداوة – التي هي الخطيءة – وصالحنا مع الله وأعطى الإنسان السلام. لذلك يقول الرسول بولس: "ولنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رومية 5:1).
ثانياً – السلام الداخلي مع الذات
لكي يكون الإنسان في حالة سلام مع الله، ينبغي علنه أن يكون في حالة سلام مع ذاته. و هذا يتطلب منه أن يكون في حالة أمان و إنسجام مع نفسه، وأن يكون صحيحاً نفساً و جسداً، شاعراً بالاكتفاء المادي و المعنوي، راضياً بما هو عليه من ظروف وإمكانات، تعيداً عن الخوف والقاق والتشهيّ، واللهاث الدائم خاف المكاسب والمناصب وجمع الأموال بشتى الوسائل.
ثالثاً – السلام بين الناس
وكنتيجة للسلام مع الله وللسلام الداخلي مع الذات، وعندما يعيش المؤمن هذا السلام الدائم، فلابد أن يكون السالم بين الناس سلاماً حقيقياً سليماً لا غش فيه. و عندما يتحقق هذا السلام، يسود الأمان والوئام أفراد المجتمع، فيزول الحقد والخصام، ويتلاشى التوتر والانقسام. ولا يتأتى هذا السلام إلا إذا كان مصدره السيح والكنيسة التي هي جسده السرّي، ومانحة الروح القدس لمستحقّيه.
رابعاً – السلام بين الدول والشعوب
إن الدول التي تؤمن بالسلام الحقيقي، تقيم أطيب العلاقات مع الدول المجاورة، انطلاقاً من حق كل دولة وشعب بالعيش في سلام ضمن حدود آمنة، دون الإساءة إلى الدول والشعوب الأخرى، تعيداً عن كل طمع واستغلال واستئثار، وهي الأمور التي تسبب المنازعات التي تنشأ بين دولة وأخرى. فلكل دولة الحق في أن ترسم لنفسها نهج الحكم الذي يقرره شقبها، وأن تستغل ثرواتها الطبيعية استغلالا خيراً دون أن يناز عنا في ذلك أيّ منازء. وعندما تحدث الأطماع بين الدول والشعوب، تنشب الحروب والمعارك والمناوشات التي من شأنها أن تهزّ السلام وتزعزع الأمان والاستقرار.
خامساً – سلام الكنيسة
لما كانت الكنيسة هي المؤسسة الإلهية على الأرض، وهي – كما قلنا آنفاً – جسد المسيح السرّي، والمسيح هو رأس هذا الجسد، فهي مخولة إلهياً، أن تعطي السلام لأتباعها وللعالم، انطلاقاً من قول السيد اه المجد: "سلاماً أترك لكم، سلامي أعطيكم" (يوحنا 27:14). فقد منحت نعمة السلام من المسيح مباشرة عن طريق تلاميذ المسيح، والتالميذ نقلوا هذا السالم إلى من بعدهم.
وفي القداس الإلهي الكنسي، نرى تركيزاً واضحاً على ذكر السلام في جميع مراحل القداس. فكلما تؤجه الكاهن إلى الشعب يقول: (السلام لكم ... السلام لكم) ... وفي أواخر القداس يعول الكاهن للشعب الحاضر: (تبادلوا السلام، أو، ليعط كل واحد منا السلام قريبه).
No comments:
Post a Comment